أنجبت العنزة الجبلية سخلتين توأمين رائعتي الجمال ، فرحت بهما و جلست إلى جوارهما تعتني بهما بحنان بالغ و تغذيهما من لبنها الغزير و قد غمرتها السعادة و البهجة ، و كانت قد أطلقت على الأولى إسم سنيسل و على الثانية إسم رباب ؛ و لكن بعد بضعة ايام شعرت أن لبنها الحليب خفت غزارته فكان لا بد لها من أن تعود إلى المرعى لتتغذى بأعشابه فيعود حليبها إلى غزارته السابقة .
قالت العنزة لسخلتيها الحلوتين ؛ سأترككما و أتوجه إلى المرعى و سأغيب عنكما بضع ساعات كل يوم ، فإياكما أن تفتحا باب الدار لأحد ، إلا إذا عرفتم صوتي و تأكدتم من عبارتي التالية : << يا سنيسل و يا رباب ، إفتحا لأمكما الباب ، أمكما العنيزية ، و أبوكما شيخ الشباب >> ثم أضافت : << ثم إطلبا مني أن أدير ظهري و أن أريكما ذيلي من ثقب مفتاح الباب ، فإن كان الذيل أسودا فهو ذيلي ، أما إذا كان أحمرا ، فهو ذيل الذيب ، إياكما أن تفتحا له ! >> ثم مضت تطلب المرعى .
في المساء عادت العنزة فقرعت الباب ، فتقدمت السخلتان منه ، و سألت كبراهما :
- من الطارق ؟
أجابت العنزة :
- يا سنيسل و يا رباب إفتحا لأمكما الباب أمكما العنيزية ، و أبوكما شيخ الشباب .
تقدمت رباب لتفتح الباب فمنعتها أختها سنيسل ، التي تقدمت فوضعت عينها عند ثقب المفتاح ثم نطقت ب( كلمة السر ) ، قالت : << أديري ظهرك و أرينا ذيلك ، فإن كان أسودا فهو ذيل أمنا و إن كان أحمرا فهو ذيل الذيب >> ، أدارت العنزة ظهرها و رفعت ذيلها ، عندئذ فتحت سنيسل الباب .
تقدمت منهما فرحة ، و احتضنتهما و أخذت ترضعهما لبنا غزيرا كما كان ، و هي تثني على ذكائهما و طاعتهما .
و مضت الأيام و الأم تذهب و تعود دونما أي مكدر .
و لكن عند عودتها ذات يوم ، كان الذئب يتلصص عليها خلف شجرة البلوط القريبة ، فالتقط الحوار الدائر بين العنزة و سخلتيها و عرف منه ( كلمة السر ) ، و تمكن من حفظ بعضها .
في اليوم التالي و قبل موعد عودة العنزة ، تقدم من الباب فقرعه و هو يقول محاولا تقليد صوت العنزة :
- يا سنيسل و يا رباب إفتحا لأمكما الباب أمكما العنيزية ، و أبوكما شيخ الشباب .
سألته رباب :
- أديري ظهرك و أرينا ذيلك ، فإن كان أسودا فهو ذيل أمنا و إن كان أحمرا فهو ذيل الذيب .
فأدار ظهره و رفع ذيله ، فصاحت السخلتان معا و قد أصابهما الرعب :- أنت تكذب علينا ، أنت الذئب و لن نفتح لك !
فإنسحب الذئب يجرر أذيال الخيبة و الإحباط ، و لكنه لم يفقد الأمل !
في اليوم التالي و منذ الصباح الباكر ، ذهب الذئب إلى صباغ الأقمشة ، فقال له راجيا :
- ياعمي يا صباغ ، إصبغ لي ذيلي باللون الأسود ، كي آكل سنيسل و رباب !
أجابه الصباغ :
و لكنني جائع و لم أفطر بعد ، إذا أحضرت لي بيضتين ، سأصبغ لك ذيلك .
ذهب إلى الدجاجة :
- أيتها الدجاجة الكريمة ، إعطيني بيضتين ، لأقدمها للصباغ ، كي يصبغ لي ذيلي باللون الأحمر ،كي آكل سنيسل و رباب .
قالت له الدجاجة :
- و لكنني جائعة ، أحضر لي بعض القمح و سأبيض لك بيضتين كبيرتين .
تسلل إلى مستودع للحبوب ، فسرق ما تمكن من حمله ، و مضى مسرعا إلى الدجاجة فقدم لها القمح .
صرخت الدجاجة " بقبقبقبقيب " ثم باضت البيضة الأولى ، ثم صرخت ثانية " بقبقبقبقيب " فباضت بيضة ثانية ، حملهما بفمه و مضى مسرعا إلى الصباغ ، الذي شكره ، و بعد أن تناول فطوره ، شرع يصبغ له ذيله باللون الأحمر .
فرح الذئب و توجه مباشرة إلى بيت العنزة .
قرع الباب
سالته إحداهما :
- من الطارق ؟
فأجابها مقلدا صوت العنزة :
- يا سنيسل و يا رباب إفتحا لأمكما الباب أمكما العنيزية ، و أبوكما شيخ الشباب .
قالت الأخرى :
- أديري ظهرك و أرينا ذيلك ، فإن كان أسودا فهو ذيل أمنا و إن كان أحمرا فهو ذيل الذيب .
فأدار ظهره و رفع ذيله .
" إنها أمنا " صاحت السخلتان فرحتين ، و لكنهما ما أن فتحتا الباب حتى هاجمهما فابتلع رباب أولا ، ثم لحق بسنيسل التي حاولت الفرار منه ، و لكنه كان أسبق منها فابتلعها بدورها ، ثم مضى إلى بيته و قد ملكته نشوة الإنتصار .
عندما عادت العنزة إلى البيت و وجدت الباب مفتوحا ، دخلت الدار فلمحت الفوضى التي تعمها ، عندئذ أدركت أن في الأمر شرا ، فتملكها الحزن الشديد و الأسى على فلذتي كبدها ، و أخذت تنوح و تلطم خديها ؛ و لكنها توقفت عن البكاء فجأة و قالت في سرها : " إنه الذئب حتما ، و لسوف أنتقم منه "
توجهت إلى بيت الذئب و صعدت فوق سطحه ، و أخذت تضرب أرض السطح بأطرافها الأربعة ؛ صحا الذئب من نومه مذعورا ثم صاح مستاءً :
- من يدبك فوق سطوحي من ؟
أجابته العنزة :
- أنا العنيزية زوجة شيخ الشباب ، ألست من أكل سنيسل و رباب ؟
فصمت و لم يجبها .
فعادت تقرع أرض السطوح بشكل أعنف ، فعاد يكرر سؤاله :
- من يدبك فوق سطوحي من ؟
فصمت أيضا و لم يجبها .
و لكن في المرة الثالثة ، أجابها متحديا :
- نعم أنا أكلتهما ، و أشبعت بطني بلحمهما الغض !
أجابته و قد إشتد بها الغضب :
- إذاً .. أخرج للنزال ، إن كنت ذئبا بين الذئاب و لست كلبا بين الكلاب ، أخرج للنزال في الحال !
صمت قليلا ثم أجابها :
- أنا ذئب إبن ذئب و لا أخشى أحدا ، و لكنني لا أملك قرنين مثلك ..و لكي يكون نزالنا عادلاً ، إمنحيني وقتا ، لأركِّب قرنين فوق راسي !
أجابته :
- أمهلك حتى منتصف نهار الغد .
منذ صباح اليوم التالي ، ذهب الذئب إلى بائع الحلاوة طالبا منه أن يركِّب له قرنين فوق رأسه لينازل بهما العنيزية ، فأجابه بائع الحلاوة :
- و لكنني جائع و لم أفطر بعد ، إذا أحضرتَ لي بيضتين ، سأركِّب لك قرنين .
أسرع إلى الدجاجة :
- أيتها الدجاجة الكريمة ، إعطيني بيضتين ، لأقدمها لبائع الحلاوة ، كي يصنع لي قرنين أنازل بهما العنيزية زوجة شيخ الشباب .
قالت له الدجاجة :
- أحضر لي بعض القمح و سأبيض لك بيضتين كبيرتين .
تسلل إلى مستودع الحبوب ثانية ، فسرق ما تمكن من حمله ، و مضى مسرعا إلى الدجاجة فقدم لها القمح .
صرخت الدجاجة " بقبقبقبقيب " ثم باضت البيضة الأولى ، ثم صرخت ثانية " بقبقبقبقيب " فباضت بيضة ثانية ، حملهما بفمه و مضى مسرعا إلى بائع الحلاوة الذي ما أن أنهى تناول فطوره ، حتى بدأ يصنع له قرنين من الحلاوة ثم يركبهما له .
فشكره الذئب و مضى مهرولا إلى الساحة المجاورة لبيت العنزة التي كانت في إنتظاره .
بدأ الذئب بمهاجمة العنزة و حاول طعنها بقرنيه فتحطما للحال ، ثم إنقضت عليه العنزة فشقت له بطنه بأحد قرنيها فخر صريعا .
و فجأة خرجت من بطنه المشقوق سنيسل ، فصاحت فرحة " أمي ... أمي .."
ثم برزت رباب ، التي ما أن رأت أمها حتى أسرعت نحوها تصيح فرحة " أمي ... أمي .. "
احتضنتهما بشغف و حنان ، و قد ملأت السعادة قلوب ثلاثتهن